في الأعوام المقبلة، سننظر إلى عام 2020 على أنه اللحظة التي غيرت كل شيء. لكن، لم يحدث أي نمو غير مسبوق وغير متوقع مثلما حدث في قطاعي التجارة الرقمية والتجارة الإلكترونية، اللذين ازدهرا في خضم أزمة كوفيد - 19.

ومع تحول عمليات الإغلاق إلى ما يشبه "الوضع الطبيعي الجديد للعالم"، أصبحت الشركات والمستهلكون "رقميين" بشكل متزايد، حيث يقدمون ويشترون مزيدا من السلع والخدمات عبر الإنترنت. هذا الوضع، سرع التحول الرقمي ورفع حصة التجارة الإلكترونية من تجارة التجزئة العالمية من 14 في المائة في 2019 إلى نحو 17 في المائة في 2020.

هذه النتائج وغيرها، تعرض في تقرير جديد لمنظمة "أونكتاد": "التجارة الإلكترونية، مراجعة شاملة"، يعكس التحولات العالمية والإقليمية القوية التي سجلت على مدار 2020.

بدوره، رجح فولكان بوزكير، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن يستمر الاتجاه نحو التجارة الإلكترونية طوال فترة التعافي من كوفيد - 19. قال "نحن بحاجة إلى الاعتراف بالتحديات واتخاذ خطوات لدعم الحكومات والمواطنين في الوقت الذي يواصلون فيه تبني طرق جديدة للعمل".

وقالت إيزابيل دورانت الأمينة العامة لـ"أونكتاد" بالإنابة، إن الشركات والمستهلكين الذين تمكنوا من "الانتقال إلى التقنية الرقمية" وساعدوا على التخفيف من حدة الانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء، كما سرعوا أيضا من التحول الرقمي الذي سيكون له آثار دائمة في مجتمعاتنا وحياتنا اليومية - الذي لا يكون الجميع مستعدا له.

غير أنها تنبه إلى أنه ينبغي ألا تكون البلدان النامية مستهلكة فحسب، بل يجب أن تكون أيضا لاعبة نشطة، وبالتالي منتجة للاقتصاد الرقمي.

 

البعض يستفيد والبعض يتخلف

تظهر النتائج الإقبال القوي على التجارة الإلكترونية عبر المناطق، حيث يقوم المستهلكون في الاقتصادات الناشئة بأكبر قدر من التحول إلى التسوق عبر الإنترنت.

على سبيل المثال، شهدت المنطقة العربية اختلافات كبيرة في الخبرة، ولا سيما بين دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان الأخرى متوسطة الدخل حول منطقة البحر الأبيض المتوسط.

كانت مستويات التجارة الإلكترونية مرتفعة بشكل واضح في دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الأسواق الأكبر، مثل مصر، قبل انتشار الوباء. لكن رغم ذلك، هذه المستويات في أقوى الأسواق تمثل أقل من 5 في المائة من إجمالي مبيعات التجزئة.

وكما هو الحال في أماكن أخرى، تسارعت وتيرة التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية خلال الجائحة، غير أنه لا تزال هناك تحديات كثيرة أمام النمو، حددتها "أونكتاد"، أهمها "سلاسل الإمداد غير الموثوق بها والمكلفة، ومحدودية الوعي والمهارات".

مع ذلك، تقول "أونكتاد"، إن دول مجلس التعاون الخليجي التي وضعت أطرا سياسية وتشريعية للتجارة الإلكترونية، ولديها مستويات عالية من الدخل القومي الإجمالي للفرد، "هي في أفضل وضع للبناء على النمو في التسوق عبر الإنترنت الذي حدث على مدار العام". وتؤكد أهمية التكامل والتعاون الإقليميين، ولا سيما في مجال تيسير التجارة وفي توسيع نطاق الفوائد لتشمل بلدانا أخرى في المنطقة.

على صعيد بعض المناطق الجغرافية في العالم، باعت سوق أمريكا اللاتينية على الإنترنت "ميركادو ليبر"، ضعف عدد المواد في اليوم خلال الربع الثاني من 2020 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وسجلت منصة التجارة الإلكترونية الإفريقية "جوميا"، قفزة 50 في المائة في المعاملات خلال الأشهر الستة الأولى من 2020.

وارتفعت حصة الصين عبر الإنترنت من مبيعات التجزئة من 19.4 إلى 24.6 في المائة بين آب (آغسطس) 2019 وذات الشهر 2020.

وفي كازاخستان، ارتفعت حصة مبيعات التجزئة عبر الإنترنت من 5 في المائة في 2019 إلى 9.4 في المائة في 2020. وشهدت تايلاند تنزيل تطبيقات التسوق قفزة 60 في المائة في أسبوع واحد فقط خلال بداية هجمة وباء كوفيد - 19 في آذار (مارس) 2020.

لكن في عديد من أقل البلدان نموا في العالم، لم يستفد المستهلكون والشركات التجارية من فرص التجارة الإلكترونية الناجمة عن الوباء بسبب معوقات مستمرة تعترض طريق الاستفادة المالية.

علاوة على العقبات الإدارية والتشريعية، تشمل هذه خدمات النطاق العريض المكلفة، وثقافة الاعتماد المفرط على النقد، وانعدام ثقة المستهلكين، وضعف المهارات الرقمية بين السكان، والاهتمام المحدود من قبل الحكومات بالتجارة الإلكترونية.

وتقول، لـ"الاقتصادية" شاميكا سيريمان، مديرة التقنية والخدمات اللوجستية في "أونكتاد"، "ستكون البلدان التي تسخر إمكانات التجارة الإلكترونية في وضع أفضل للاستفادة من الأسواق العالمية من أجل سلعها وخدماتها في هذا الاقتصاد الرقمي، في حين أن البلدان التي لا تفعل ذلك تخاطر بمزيد من التخلف عن الركب".

يتم توفير عديد من الحلول المستخدمة للتجارة الإلكترونية والعمل عن بعد من قبل عدد صغير نسبيا من الشركات الكبيرة، مقرها بشكل رئيسي في الصين والولايات المتحدة. وربما اكتسب اللاعبون الأصغر حجما موطئ قدم أعمق، لكن وجودهم في السوق لا يزال يتضاءل أمام الشركات الرقمية العملاقة، التي يمكن أن ترسخ دورها المهيمن أثناء الوباء.

بدوره، يقول، توربيورن فريدريكسون، رئيس الاقتصاد الرقمي في "أونكتاد"، إن الخطر يتمثل في أن الفجوات الرقمية الضخمة التي كانت موجودة بالفعل بين البلدان وداخلها لن تزداد إلا سوءا في أعقاب الوباء. ويضيف، أن النتيجة ستكون تفاوتات أعمق من شأنها أن تهدد بعرقلة التقدم المحرز في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

 

استجابة الحكومات

أعطت معظم الحكومات الأولوية لاستجابات قصيرة الأجل للوباء، لكن بعضها بدأ أيضا بمعالجة الاحتياجات الاستراتيجية الأطول أجلا للتعافي. وقد تدخلت عدة حكومات في البلدان النامية لحماية الأعمال التجارية والدخول الفردية.

ففي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، على سبيل المثال، وضعت عدة حكومات برامج للأعمال التجارية لا وجود لها على الإنترنت، وتطبيقات للهواتف الذكية وخدمة إرسال رسائل نصية لتيسير التجارة بين منتجي اللحوم والأسماك والمنتجات الزراعية.

وفي إفريقيا، نفذت بعض الدول حملات إعلامية وتثقيفية وتوعية بشأن فوائد التجارة الإلكترونية في جميع قطاعات السكان. وفي آسيا، أطلقت إندونيسيا برنامجا لبناء القدرات للتعجيل بعملية الرقمنة بين المنشآت الصغرى والصغيرة والمتوسطة.

 

نقاط عمل للتجارة الإلكترونية الشاملة

يرسم التقرير الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها ثلاث مجموعات من أصحاب المصلحة لضمان تحقيق فوائد أكثر شمولا من التجارة الإلكترونية.

ويقول، إن الحكومات بحاجة إلى إعطاء الأولوية للجاهزية الرقمية الوطنية كي تصبح مزيد من الشركات المحلية منتجة في الاقتصاد الرقمي، وليس فقط المستهلكين.

أيضا، يتطلب بناء نظام بيئي تمكيني للتجارة الإلكترونية إجراء تغييرات في السياسات العامة والممارسات التجارية لتحسين البنية التحتية الرقمية والتجارية، وتيسير المدفوعات الرقمية، وإنشاء أطر قانونية وتنظيمية مناسبة للمعاملات والأمن عبر الإنترنت. "يجب أن يكون النهج شاملا. ينبغي عدم وضع السياسات في صوامع".

ثم، من أجل الحصول على قيمة التجارة الرقمية، ينبغي أن تصبح ريادة الأعمال الرقمية محور اهتمام مركزي. يتطلب ذلك زيادة الرقمنة في الأعمال التجارية الصغيرة وزيادة الاهتمام بريادة الأعمال الرقمية، بما في ذلك إعادة المهارات.

كما تحتاج البلدان إلى قدرات أفضل لالتقاط البيانات وتسخيرها، وأطر تنظيمية أقوى لإيجاد واقتناص القيمة في الاقتصاد الرقمي، وإيجاد طرق جديدة وجريئة وذكية للعمل مع الحكومات والقطاع الخاص للاستفادة من هذه الفرص، حسبما يقول التقرير.

وتعد "أونكتاد" أن الفجوة الرقمية، التي كانت حقيقية قبل فترة طويلة من كوفيد - 19، هي تحد يمكن إزالته من خلال الجهود الجماعية والدعم الدولي.