تواجه شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة Open Ran تحديات جمة على الساحتين العالمية والإقليمية؛ حيث اختلفت الآراء المتخصصة حول فاعلية الانضمام له والالتزام به ومدى جدواه وحقيقة الوعود التي يحملها، خصوصًا تلك التي تتعلق بالحد من تكاليف التشغيل لمشغلي الاتصالات.

في البداية يعد برنامج شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة Open Ran هو مبادرة أمريكية لمنهجية تختص بطريقة تنفيذ شبكات الجيل الخامس من الاتصالات، تعتمد على دعم مبدأ التشغيل البيني بين أجهزة الجيل الخامس المصنَّعة من قبل مصنِّعين مختلفين، ولا تعتمد على مورد واحد فقط.

وبرنامج شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة Open Ran أطلقته وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية، الهدف المعلن منه تشجيع تشاركية الموردين للمعدات والمنتجات والحلول ضمن شبكات المشغلين، لكن الهدف الأساسي منه هو مواجهة التقدم الصيني في قطاع الشبكات والاتصالات، وبالتحديد شركة هواوي العالمية التي تقود قطاع الاتصالات عالميا في عملية نشر شبكات الجيل الخامس، نتيجة تقدمها الكبير سواء على مستوى الابتكارات وبراءات الإختراع الخاصة بالشبكات الجديدة، أو على مستوى النشر الفعلي لهذه الشبكات حول العالم، والتي باتت العديد من شبكات الاتصالات تعتمد معداته وحلوله الحصرية المتقدمة عن غيرها.

عندما نضع شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران"، في الميزان نجد أنها ليست تقنية جديدة، فقد تمت تجربة أنواع مختلفة من شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة على مدار أكثر من عشرة أعوام دون أن تحقق أي نجاح على المستوى التجاري، إضافة إلى هذه الشبكات تواجه العديد من المشاكل على مدار الأعوام العشرة الماضية مثل استهلاك الطاقة بكميات كبيرة وضعف التكامل والأداء الضعيف لإدارة الشبكة والتكلفة الكبيرة، كما تفرض شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة متطلبات كبيرة على مشغلي الاتصالات لتحقيق التكامل بين الأنظمة وتنفيذ أعمال الصيانة، مما يؤدي إلى ازدياد تكلفة التسليم والنفقات التشغيلية.

أضف إلى ذلك أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة ليست معياراً جديداً لشبكات لجيل الخامس، وإنما هي مجرد نموذج للتنفيذ، أي أنها لا تشكل معايير ومقاييس جديدة للشبكات كما هو الحال في المعايير الموجودة والممطبة والمتفق عليها دولياً، ولم يتم التحقق من هذه الطريقة "المفتوحة" بما يتماشى مع معايير الشبكات العالمية التي تعتمدها الهيئات الدولية مثل مشروع شراكة الجيل الثالث 3GPP والجمعية الدولية للهاتف المحمول (جي اس ام ايه).

 

 

تعزيز المنافسة

وبعيدا عن هذا وذاك فإن الإدارة الأمريكية تتدخل في قضية شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" بشكل واضح في محاولة للهيمنة على نظام الاتصالات التجارية تحت ذريعة تعزيز المنافسة والابتكار، حيث تم تسييس شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران"من قِبل الولايات المتحدة، حيث وفر قانون الابتكار والمنافسة الأمريكي في عام 2021 تمويلاً طارئاً بقيمة 1.5 مليار دولار لدعم شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران".

كما تدعم هيئة الاتصالات الفيدرالية تحالف سياسات الوصول اللاسلكي المفتوح للترويج لحلول شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" في الأنظمة المحلية والمؤسسات التقنية والنظام الإيكولوجي التقني. وعلى المستوى الدبلوماسي، أكد البيان المشترك الذي أصدره البيت الأبيض في العديد من المرات على دعم الحكومة الأمريكية لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة.

فيما يرى العديد من محللي وخبراء صناعة الاتصالات أن السبب الأساسي لدعم الإدارة الأمريكية لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة هو أن الولايات المتحدة خصوصاً ودول الغرب عموماً فقدت ميزتها التنافسية في مجال البحث والتطوير في المحطات الأساسية والتصنيع (لا توجد لدى الولايات المتحدة قدرات منخفضة التكلفة للتصنيع أو أبتكارات جديدة في الشبكات بتكلفة منخفضة تتماشى مع متطلبات المشغلين).

كما تريد الولايات المتحدة الاعتماد على امتيازاتها في الرقائق الإلكترونية والبرمجيات لكي تستعيد الهيمنة على قطاعي اتصالات الهاتف المحمول والإنترنت عبر الهاتف المحمول، كما أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً كبيرة على المشغلين في دول العالم للاعتماد على شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران"، ولكن المشغلين في الولايات المتحدة لم ينفذوا أي مبادرات لتسويق هذا النوع من الشبكات.

ونحن هنا أمام حقيقتين موضوعيتين أولهما أن شركة "فيرايزون" عرضت توجهات الحكومة الأمريكية بشأن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة ودعت بشدة إلى الحياد التقني. وكانت شركة AT&T المشغل الرئيسي في تحالف O-RAN، ولكنها لم تنشر هذه الشبكات للاستخدام التجاري. كما عارض الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة "تي موبايل" توجهات الحكومة الأمريكية، فيما اعترف رئيس مجل إدارة Dish Network بشكل علني بأنه قلل من أهمية صعوبة تحقيق التكامل بين أنظمة الوصول اللاسلكي المفتوح.

ويسكونسن

أما الحقيقة الثانية فهي تثبت فشل أول شبكة من شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" في أمريكا، حيث يتم حالياً تفكيكها، إذ بدأت بالفعل شركة "سيلكوم" بتفكيك شبكة الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" في ويسكونسن نظراً إلى صعوبة الوصول إلى التجهيزات. ووفرت شركة Parallel Wireless  البرمجيات للشبكة، ولكن "سيلكوم" لم تتمكن من الحصول على أجهزة الوصول اللاسلكي المتوافقة مع البرمجيات نتيجة الحد الأدنى من متطلبات الشراء للموردين. وقالت "سيلكوم" إنها لا تمتلك قدرات شرائية مثل التي تمتلكها شركات التشغيل الكبيرة، كما هو الحال بالنسبة لشركات الاتصالات الصغيرة.

وفي ظل التوقعات التي تشير إلى تزايد عدد الوصلات إلى 276 مليون بالاعتماد على الجيل الخامس بحلول عام 2025، ستوفر منطقة اليورو سوقاً مهماً لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران". ولكن التقرير الذي نشرته المفوضية الأوروبية ووكالة الاتحاد الأوروبي للأمن السيبراني أشار إلى أن الأمن السيبراني يعتبر من التحديات الكبيرة التي تواجه شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران". وقالت الوكالة إن مواصفات شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" ما زالت بحاجة إلى التحسين.

من المرجح أن يزداد التعقيد في تحديد أعطال الشبكة ومعالجتها في عمليات الإعداد التي يشارك فيها العديد من الموردين بالإضافة إلى الحاجة لوقت طويل من أجل تحديد الأعطال وإصلاحها.

آراء خبراء المفوضية الأوروبية

من جهتها، قالت مارغريت فيستاغر، نائب الرئيس التنفيذي لمواكبة العصر الرقمي في أوروبا: "توفر تصاميم الوصول اللاسلكي المفتوح المزيد من الفرص في السوق، ولكنها تفرض تحديات أمنية مهمة لا سيما على المدى القصير. ويجب على جميع المشاركين تخصيص الوقت والاهتمام الكافيين للحد من هذه التحديات لكي نتمكن من الاعتماد على شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة - أوبن ران".

فيما قال تيري بيرتون، مفوض السوق الداخلية في المفوضية الأوروبية: "في ظل نشر شبكات الجيل الخامس في أوروبا وتزايد الاعتماد على البنية التحتية الرقمية في القطاع الاقتصادي، أصبح من الضروري ضمان أعلى مستويات الأمان لشبكات الاتصالات. ويوضح التقرير أن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" توفر عدداً لا بأس به من الفرص، إلا أنها في الوقت ذاته تفرض العديد من التحديات الأمنية التي لا يمكننا مواجهتها في الوقت الحالي ولا يمكننا الاستهانة بها مطلقاً. ولذلك، يجب ألا يؤدي نشر الوصول اللاسلكي المفتوح في شبكات الجيل الخامس في أوروبا إلى ظهور نقاط ضعف جديدة مهما كانت الظروف".

وقال غويلام بوبارد، المدير العام للوكالة الوطنية الفرنسية للأمن السيبراني: "يسهم هذا التحليل الأمني التفصيلي لشبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" في ضمان مواكبة نهجنا المشترك للتوجهات الجديدة والتحديات الأمنية. وسنواصل جهودنا للتغلب على التحديات".

 

شكك نيل ماكراي، كبير المصممين في شركة BT في قدرة شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة "أوبن ران" على الحد من التكاليف، حيث قال: " أعتقد أن الفكرة التي تقول بأن شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة ستحد من التكاليف في الوقت الحالي وفي المستقبل القريب خاطئة تماماً. وأنا أشك في ذلك، حيث يجب مراعاة التكلفة الإجمالية للملكية (TCO) وليس البنية التحتية للشبكة فحسب".