تشهد جنيف في الأول من (أبريل) المقبل "أسبوع التجارة الإلكترونية العالمي 2019"، الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" لرسم الفرص الجديدة المتزايدة لجعل المنصات الرقمية في الدول النامية تعمل بشكل أكثر فعالية وكفاءة لتنشيط اقتصاداتها، ورفع مكانتها في العالم الرقمي الجديد.

ورغم أن التكنولوجيا الرقمية أحدثت تحولات ثورية في الاقتصاد العالمي، إلا أن كثيرا من البلدان لم يتمتع بعد بكل المنافع الإنمائية للتكنولوجيا الرقمية، كالنمو الشامل والمستدام، وتحسين الإدارة العامة، والاستجابة في تقديم الخدمات.

ونظرا لضخامة حجم التغيير في الميزة التنافسية التي يمكن أن تضفيها التكنولوجيا الرقمية على مستخدميها، فإن مخاطر البطء في الأخذ بها أو ضعف استخدامها يمكن أن تكون هائلة على الصناعات والحكومات والأفراد والشعوب.

ويعتقد على نطاق واسع أن البلدان النامية لم تستفد بشكل كبير من انتشار التجارة الإلكترونية، على الرغم من أنها تحقق فوائد يحتاج إليها جميع المستهلكين حول العالم مثل البساطة والاختيار، والسهولة، والسرعة، وقلة التكلفة، والراحة.

ومع كل تلك المميزات، التي لم يستفد الجميع منها على قدم المساواة، ولا سيما في البلدان الأقل نموا، تتيح ممارسة الأعمال التجارية عبر الإنترنت والمنصات الرقمية فرصة تحقيق حياة أفضل للبشر.

وعبر التجارة الإلكترونية، يمكن للأسر الحصول على منتجات أكثر وأفضل بأسعار أقل، وتتيح للشركات أن تبيع للمستهلكين الجدد في الأسواق البعيدة، كما يمكن أن تكون المكاسب كبيرة في نهاية المطاف.

لكن التجارة الإلكترونية تواجه مخاطر مرتفعة في البلدان النامية، حيث غالبا ما تترك الشركات المحلية تلعب في الميدان دون ضوابط وأنظمة صارمة.

وتقول بعض الأوراق التي هيأتها "أونكتاد" لأسبوع التجارة الإلكترونية إن المنصات الرقمية في البلدان النامية تولد فرصا للتجارة والتطوير، لكن المكاسب ليست تلقائية وعمليات التجارة الإلكترونية لا تجري بطريقة سلسلة.

وتضيف: "لتعظيم المكاسب الإنمائية للمنصات الرقمية، ينبغي أن تكون هناك اتصالات كافية. كما يتعين على السياسات واللوائح أن تتصدى لتحديات عديدة".

وتقلل المنصات الرقمية من تكاليف المعاملات التجارية والبحث، وتساعد شركات التجارة الإلكترونية على ربط العملاء والمستهلكين بسهولة أكبر، وتحقق وقتا أقصر للشحن، وخيارات مرنة للدفع، ومنتجات ذات صلة، وتربط الصناعات المحلية ببعضها، وتقلل من الاعتماد على الواردات.

وتساعد التجارة الإلكترونية البلدان النامية بعدة طرق، حيث يمكن لشركات البلدان النامية تسويق وبيع سلعها وخدماتها للمشترين المحتملين سواء في بلدانهم أو في الأسواق الأجنبية. وقد تجد أيضا منافذ غير مستغلة ما يعطي ميزة للشركات الصغيرة المتنافسة الدخول في قطاعات سوقية لم تكن منظورة، وهذه تشمل التجارة المتخصصة في السياحة، والمنتجات الغذائية ذات القيمة المضافة، وفقا لما قالته لـ "الاقتصادية" شاميكا سيريمانني مديرة التقنية واللوجستيات في "أونكتاد".

وتبين الأوراق التي أعدتها "أونكتاد" لأسبوع التجارة الإلكترونية، الذي يعقد تحت شعار "من الرقمنة إلى التنمية"، أن البلدان النامية يمكن أن تستفيد من تأسيس أسواقها الإلكترونية الخاصة بها، لكن التكاليف ستكون مرتفعة. في بعض البلدان النامية، يفتح غياب المنصات العالمية مجالا للاعبين المحليين.

لكن عديدا من المنابر المحلية قد تكون غير قادرة على التنافس مع اللاعبين الدوليين - وبهذا يمكن أن تصبح في كثير من الأحيان أهدافا لحيازتها من قِبل المنصات العالمية.

وبالفعل، استولت الأسواق الرئيسة على الإنترنت مثل "أمازون"، و"مجموعة علي بابا"، و"فيسبوك" على أجزاء كبيرة من السوق العالمية، مستفيدة من اقتصادات ضخمة من ناحية الحجم والتأثير على الشبكة العنكبوتية.

وفي حالة وجود منصات محلية، فمن غير المرجح أن تصبح مربحة حتى تصل إلى ما يعرف بـ "الكتلة الحرجة"، بمعنى عندما يكون هناك عدد كاف من المبيعات بحيث يصبح معدل البيع مكتفيا ذاتيا ومؤهلا لتوليد مزيد من النمو.

وتقول واحدة مِن أوراق "أونكتاد"، إنه إذا كان هناك ما بين 2 إلى 3 في المائة من المستهلكين في بلد يشترون عبر الإنترنت، فإنه قد لا يكون من المفيد الاستثمار في المنصات الرقمية، حتى تظهر السوق بعض النمو.

لكن بروز منصات قوية للتجارة الإلكترونية في الاقتصادات النامية مثل "جوميا" في إفريقيا، و"فلبكارت"، و"لازادا"، و"سوق" في آسيا، و "ميركادوليبر" في أمريكا اللاتينية، يشير إلى وجود نطاق محتمل في هذه الأسواق.

وحسب أرقام "أونكتاد" فإن "جوميا" قدمت للتو 100 مليون دولار في الاكتتاب العام الأولي في بورصة نيويورك خلال (مارس) الحالي. و"جوميا" هي المجموعة الأم لتسع شركات في أكثر من 30 بلدا إفريقيا بينها المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر.

وتشمل شبكتها من الشركات تقديم مبيعات على الإنترنت في مجال السوق، والسفر، والغذاء، والعروض الثقافية والترفيهية، ولوازم البيت، والوظائف، وتأجير السيارات، الخدمات، وغيرها.

لكن عندما يتعلق الأمر بالمكاسب، لا توجد ضمانات، ولا سيما بالنسبة لأقل البلدان نموا، وتؤكد سيريماني، أن "هناك مخاوف جدية بشأن القوة السوقية المتزايدة لبعض المنابر والحاجة إلى تحسين المنافسة، وحماية المستهلك، والبيانات، والخصوصيات، وفرض الضرائب، والعمالة، وظروف العمل اللائقة. وهذه المخاوف لا تؤثر في البلدان النامية فحسب، بل في الاقتصاد الرقمي العالمي بأسره".

وترى "أونكتاد" أن البلدان النامية مقيدة، وكثيرا ما تفتقر إلى القدرات التنسيقية والتشريعية التي تمكنها من إدارة النظام التقني المعقد والسريع الحركة، لتصبح أكثر تأثيرا من غيرها في السوق.

وتحذر المنظمة من أن حماية البيانات تشكل تحديا كبيرا، إذ إن عديدا من البلدان النامية لا تزال تفتقر إلى السياسات والتشريعات الوطنية ذات الصلة.

وعلى الصعيد الضريبي، فإن الاقتصادات النامية أقل قدرة على استخراج الضرائب من شركات التجارة الإلكترونية غير المقيمة، وهذا يعني حصولها على قدر أقل من الموارد المحلية للتنمية.

وتستهدف "أونكتاد" من أسبوع التجارة الإكترونية إلى مساعدة الدول النامية الأقل استعدادا للعصر الرقمي من خلال، إصلاح الأنظمة القانونية الإلكترونية، وبناء قدرات البلدان على وضع القوانين واللوائح المناسبة لتسهيل التجارة في بيئة آمنة، وتيسير الحوار بشأن السياسات وبناء القدرات، ومناقشة التحديات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي المتطور والفرص الإنمائية التي حققها الاقتصاد الرقمي، وتشخيص الوضع الحالي للتجارة الإلكترونية، تحديد الفرص والحواجز.

ويشارك في المنتدى، وزراء، ومسؤولون حكوميون، ورؤساء تنفيذيون وممثلون عن قطاعات الأعمال التجارية، ومنظمات دولية، ومصارف تنموية وأكاديميون، وبعض مؤسسات المجتمع المدني.