مازال يلتف الغموض مسار نشر شبكات الجيل الخامس في الأردن على الرغم من الاندفاع الكبير الذي سجّله قطاع الاتصالات غداة توقيع هيئة تنظيم الاتصالات الأردنية الإتفاقيات الممهّدة لإدخال الجيل الخامس إلى الممكلة مع المشغلين الثلاثة "زين"، "أمنية" و"أورانج" خلال الصيف الماضي.

 

مرد هذا الغموض هو تأكيد مصادر مطلعة أن الأردن يتجه لمنح ترددات مجانية تبلغ 20 ميغا إلى مدى 5 سنوات للمشغلين الذين لن يتعاملوا مع "هواوي" كمزوّد لشبكات الجيل الخامس، وهو ما قد يشكل إجراءا غير عادل في حال حصل، خصوصا في سوق يُفترض أنه يعتمد سياسة تتيح المنافسة العادلة.

 

وتأتي هذه المعلومات بعد امتناع المشغلين الثلاثة عن إطلاق نقاش علني مع المزوّدين حول متطلبات الجيل الخامس في الأردن على المستوى التقني، وممارسة الولايات المتحدة ضغوطا إضافية على الدول التي تسمح للمشغلين بالحصول على شبكات الجيل الخامس من شركات صينية مثل ZTE وهواوي، وفقا لمجلة الاقتصاد والأعمال.

 

تهذيب وشراسة

على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن "هذّبت" طريقة طرحها لموضوع منع الشركات الصينية من المنافسة في الولايات المتحدة وأسواق البلدان "الحليفة" و"الصديقة"، إلا أنها عمليا اندفعت في تنفيذ هذه السياسة بشكل أشرس بكثير من مرحلة الرئيس السابق دونالد ترامب. وكان الرئيس ترامب جاهر بشكل كبير بالعداء للشركات التكنولوجية الصينية خلال إطلاقه "حربه" التجارية ضد الصين، كما أطلق حملة دبلوماسية عالمية لتحذير الدول من التعامل مع الشركات الصينية في قطاع الاتصالات وغيره من المجالات، ووصلت حمى هذه السياسة إلى دول حلف "الناتو" ومجموعة دول "العيون الخمس التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

 

لكن الأردن الذي لم يُصدر أي مواقف واضحة إزاء "الرغبات" الأميركية كما هو الحال مع بريطانيا وأستراليا ودول غربية أخرى، لم يحدد بشكل واضح توجّهه في هذا المجال. وعندما أطلقت الإدارة الأميركية بداية العام الحالي مبادرة "الشبكات المفتوحة" OpenRan لم يعلن الأردنيون أيضا عن توجهاتهم بشكل واضح. وكانت هذه المبادرة إنطلقت من وكالة الاتصالات والمعلوماتية القومية NTIA التابعة لإدار الرئيس بايدن، وتعاونت هذه الوكالة مع مجموعة من السياسيين والمشرّعين والشركات وجماعات الضغط في الولايات المتحدة للدفع باتجاه فرض معايير دولية جديدة في قطاع الاتصالات النقالة شملت الجيلين الرابع والخامس. بعد ذلك قامت مجموعة من الشركات الأميركية ومعها بعض الشركات الأوروبية بتشكيل ما يُعرف باسم "تحالف سياسة الشبكات المفتوحة" التي تستهدف بشكل رئيسي إقصاء الشركات الصينية

 

تأثيرات جيوستراتيجية 

ويدور الحديث اليوم في سوق الاتصالات الأردني – ولو بشكل غير علني – حول التحدي الذي يمثّله الجيل الخامس على مستوى الاستثمارات المطلوبة للمضي قدما في المشروع من جهة، وعلى أهمية الاستفادة من الاستثمارات الموجودة أصلا في شبكات طورتها شركة هواوي لدى المشغلين الثلاثة من جهة أخرى. ومن المعروف أن استبدال الموردين في هذا المجال يشكل في بعض الأحيان تحديا على صعيد الاستثمارات الإضافية المطلوبة. وأي إقصاء لشركة مثل هواوي من عملية التطوير المرتقبة مع المشغّلين، ستعني حُكما تكبد تكاليف غير ضرورية سيدفع فاتورتها المُستخدم بطبيعة الحال. ومن المعروف أن هواوي هي من المزوّدين الأساسيين الذين يقدمون الحلول والخدمات لمشغّلي الاتصالات الثلاثة في الأردن أي "زين" و"أورانج" و"أمنية" منذ زمن بعيد.

 

لا شك أن توفير مناخ استثماري عادل يشكل رسالة إيجابية لا للشركات الصينية فحسب، بل لكل الشركات العالمية التي تمثل أداة فعالة على صعيد جذب الرساميل الأجنبية المباشرة. أما نقيض هذه السياسة، فقد يمثل خطوة في الاتجاه غير الصحيح، خصوصا وأنه قد يمثل استهدافا لشركة بعينها، تحمل جنسية دولة صديقة للأردن، وسيحمل رسائل جيوستراتيجية غير مناسبة في زمن يشهد انقسامات عالمية حادة، خصوصا بعد الحرب الأوكرانية.

 

أخيرا وليس آخرا، تطرح هذه الضبابية الأردنية المتعلقة بوضع سياسة تنافسية في قطاع الاتصالات أسئلة مشروعة، لا لدى الشركات الصينية فحسب، بل لدى كل الشركات الراغبة بالاستثمار في السوق الأردنية، لأنه عندما تدخل الاعتبارات السياسية إلى قطاع الاتصالات، يخرج تطوير القطاع ومصلحة المستخدم من سلم الأولويات.