يشهد القطاع المصرفي العالمي تحوّلاً جذرياً نتيجة الآثار المترتبة
عن التطور الرقمي المتسارع الذي يفرضه القرن الحادي والعشرين. ويبرز الذكاء الاصطناعي
باعتباره أحد أهم التقنيات الفعالة التي تترك تأثيراً قوياً وملموساً من شأنه إحداث
تغيير شامل في بيئة الأعمال عالمياً.
ويُتوقع أن يستفيد القطاع المصرفي بشكل أكبر من أنظمة الذكاء الاصطناعي،
حيث تشير التقارير المتخصصة إلى الدور المتوقع لتقنيات الذكاء الإصطناعي على صعيد تمكين
المجتمع المصرفي من تحقيق وفورات بقيمة تتجاوز 1 تريليون دولار بحلول العام 2030.
وبالمقابل، تتوقع "بيه دبليو سي الشرق الأوسط" (PwC Middle East) أن
تسهم التكنولوجيا بـ 320 مليار دولار في إجمالي الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط
خلال الفترة ذاتها. ونظراً للإمكانات الهائلة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في ظل الطلب
المتزايد على الخدمات المصرفية عالية التقنية من قبل العملاء المهتمين بالتكنولوجيا
المتقدمة، لجأت العديد من المؤسسات المالية إلى تبني الذكاء الاصطناعي في إطار سعيها
الحثيث نحو تحقيق الريادة في العصر الرقمي الذي تمثل الأتمتة إحدى أبرز الملامح المميزة
له.
ووفقا مدير خدمات الاتصال
من التطبيقات إلى الأفراد (A2P) في شركة "أربو بلاس"، شادي عزيز، فإن المؤسسات
المالية تواصل تسخير تقنيات الذكاء الإصطناعي لتعزيز تجربة العملاء، وتقديم خدمات متخصصة
تتسم بالجودة والكفاءة لتحقيق أعلى مستويات رضا وسعادة العملاء، في حين يبقى كسب ولاء
العملاء العامل الأهم في هذه العملية. ويمكن القول بأنّ المصارف باتت حالياً أكثر قدرة
على التنبؤ بتوجهات وسلوكيات العملاء، بفضل التقنيات المبتكرة للذكاء الاصطناعي التي
تعزز القدرة على تطوير وتقديم المنتجات والخدمات المخصصة التي تلبي الاحتياجات المتغيرة.
وعلى صعيد تفاعل العملاء، تستخدم المؤسسات المالية تطبيقات
"روبوتات الدردشة" (Chatbots) التي تقوم بدور وكيل لخدمة العملاء،
حيث ترتبط هذه التطبيقات المبتكرة عادةً بمنصات المراسلة المباشرة الشائعة مثل
"فيسبوك ماسنجر" و"واتساب". وتتميز "روبوتات الدردشة"
بمزايا متطورة للتعامل بفعالية مع استفسارات العملاء المرسلة عبر المنصات الإلكترونية.
وتستطيع هذه التطبيقات ربط العملاء مباشرةً بالشخص المسؤول الذي من شأنه إيجاد حل مناسب
وسريع لمشكلاتهم والتعامل بصورة فورية ومباشرة مع قضاياهم. وتقوم بعض البنوك حالياً
بإجراء اختبارات واسعة لتحديد مدى دور "روبوتات الدردشة" في توقع احتياجات
عملائها.
ويمكن للمساعد الافتراضي القائم على تقنيّة الذكاء الاصطناعي تقديم
الدعم المطلوب للعملاء عبر مجموعة متنوعة من المهام الرئيسة، والتي تشمل التعامل مع
سرقة البطاقات المصرفية والإجابة على الأسئلة المتعلقة بمواقع أجهزة الصراف الآلي بكفاءة
عالية، فضلاً عن توفير تفاصيل وافية عن ساعات عمل الفروع المصرفية وأسعار العملات الأجنبية
والاستفسار عن الرصيد وتفاصيل المعاملات وغيرها من الخدمات الأخرى.
وتقود "أربو بلاس"، بحسب شادي، مسيرة الريادة في توظيف
تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء من خلال الاستثمار في الحلول المصرفية عبر
"واتساب"، وهي شكل من أشكال حلول "روبوتات الدردشة" المصمّمة لمعالجة
استفسارات العملاء. وبدلاً من التفاعل البشري، يتيح الاتصال المدعوم بـ "الذكاء
الاصطناعي" وصول أسرع إلى المعلومات بكبسة زر واحدة.
وإلى جانب تحسين خدمة العملاء، يقدم الذكاء الاصطناعي مساهمات لافتة
قي تخفيض النفقات التشغيلية. ويرى الخبراء المختصون بأنّ الذكاء الاصطناعي والتقنيات
الرقمية الأخرى قد تحقق وفورات هائلة في تكاليف التشغيل بنسبة تتراوح بين 30% و50%.
ويحتل العالم العربي مكانة رائدة في مجال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتقود دولة الإمارات الجهود السبّاقة المبذولة عربياً، في الوقت الذي يتوقع أن تشكل
فيه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة بحلول
العام 2030، وفقاً لتقرير "بيه دبليو سي الشرق الأوسط".
وخطت الإمارات خطوات متقدمة مع استحداث وزارة الذكاء الاصطناعي في
مبادرة نوعية هي الأولى عالمياً، مؤكدةً بذلك التزامها المطلق بتبني تقنيات الجيل الجديد.
وتبذل دول عربية عدة مساعٍ حثيثة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يشكل هذا القطاع التقني
نحو 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية و8.2% في الدول الخليجية
الأخرى و7.7% في مصر، بحسب النتائج الصادرة عن دراسة "بيه دبليو سي الشرق الأوسط".
وفي مصر، تتسع قاعدة الشركات الساعية إلى استخدام تقنيات الذكاء
الاصطناعي، والتي تعتبر الاتجاه الجديد في عالم التكنولوجيا بعد الخدمات الذكية. ومن
المتوقع أن يعزز الذكاء الاصطناعي الجهود الوطنية الهادفة إلى التحول نحو اقتصاد قائم
على المعرفة تماشياً مع أهداف "رؤية مصر 2030". وأعلنت وزارة الاتصالات المصرية
عن خطتها لتأسيس "أكاديمية الذكاء الاصطناعي" بالتعاون مع وزارة التعليم
العالي والبحث العلمي. ومن المتوقع أن تسهم هذه الخطوة الهامة في دفع عجلة الابتكار
وبناء القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي على الصعيد الوطني.
ومما لا شك فيه بأنّ المنطقة العربية تشهد إقبالأً لافتاً وتوجهاً
متنامياً اليوم نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي نتوقع فيه أن تقود
البنوك هذه الموجة المتسارعة في سبيل ضمان مواكبة متطلبات العصر الرقمي والبقاء في
طليعة المنافسة.
أول بنك يدرب كل موظفيه على الذكاء الاصطناعي
وفي المملكة العربية السعودية أقدم البنك الأول على التعاون مع شركة
ريآكتور في مجال التقنية بهدف إكساب جميع موظفيه المعلومات الأساسية عن الذكاء الاصطناعي
ليكون أول مؤسسة في الشرق الأوسط تدرب جميع
موظفيها على الذكاء الاصطناعي.
ويسعى البنك الأول من خلال منح الموظفين المعلومات الأساسية عن الذكاء
الاصطناعي إلى ريادة قطاع الخدمات المالية في المنطقة في استخدام تقنية يتوقع أن تسهم
بإضافة 320 مليار دولار (11%) إلى الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط بحلول العام
2030*.
اتخذ البنك خطوة غير معتادة في تدريب جميع موظفيه على التقنيات الجديدة،
بحيث يتمكّن كل فريق من تحديد الفرص التي يمكن أن يُكرَّس فيها الذكاء الاصطناعي لتطوير
أعمال الشركة وإفادة عملائها. وسيستخدم موظفو بنك الأول دورة أونلاين طورتها شركة ريآكتور
بشكل خاص بهدف شرح العناصر الأساسية لعمل الذكاء الاصطناعي لغير المتخصصين في المجال
الرقمي، بالإضافة إلى ورشات العمل التي تدرس فرص صنع الفرق في البنك عن طريق تقنية
الذكاء الاصطناعي.
وقال سورن نيكولايزن العضو المنتدب للبنك الأول تعليقاً على المبادرة:
«تنطلق أفضل خطط التحويل الرقمي من تطوير الناس وليس من تطوير التقنية. وتصبح عملية
الابتكار أكثر سهولة في شركة يملك جميع موظفيها فهماً مشتركاً لآليات عمل التقنيات.
ويعدّ القطاع المالي من القطاعات التي تتعامل بكثافة مع البيانات لذلك ستكون الفرص
المتاحة للاستفادة من تلك التقنية لا حصر لها عمليًا. فبدلاً من أن يبحث عدد محدود
من الأشخاص من فرق تقنية المعلومات لدينا عن فرص تحسين أعمالنا من خلال الذكاء الاصطناعي،
بإمكاننا أن نعتمد على فريق عملنا كاملاً في تنفيذ هذه المهمة، ما يقدم لنا ميزة تنافسية
قوية»