تتناول هذه المقالة التعددية القانونية، وأهمية إدراك أن حياتنا تحكمها في الوقت نفسه أنظمة قانونية متعددة، وكيف تتم إدارة النزاعات عندما يعمل أكثر من نظام واحد في سياق أحداث معينة. ونستخدم هنا قضية السيدة مينغ وانزو، المديرة المالية لشركة هواوي، في فانكوفر في كندا كدراسة حالة جارية وموضوعية، حيث تقاوم المتهمة حالياً إجراءات تسليمها إلى الولايات المتحدة. وتسلط هذه القضية الضوء على المشاكل التي يمكن أن تنشأ عندما تتداخل الأنظمة القانونية، والتي تتمثل في هذه القضية في شرطة الخيالة الملكية الكندية ووكالة خدمات الحدود الكندية، حيث أن لكل منهما صلاحيات منفصلة وتعملان تحت سلطة تشريعية مختلفة. كما تتناول المقالة مشاركة السلطتين والتنسيق بينهما خلال عملية احتجاز السيدة مينغ واستجوابها واعتقالها النهائي والحاجة إلى وجود رقابة مستقلة على وكالة خدمات الحدود الكندية، إذ أنها الخدمة الشرطية الوحيدة داخل كندا التي لا يوجد عليها أي شكل من أشكال الرقابة المستقلة.

 

يلخص الجزء الأول بإيجاز المفهوم العام للتعددية القانونية قبل التعمق في التعددية الشرطية على وجه الخصوص. ويطرح فكرة مخاطر صراع التواطؤ عندما تتداخل الأنظمة القانونية المختلفة وتؤثر في نفس الوقت على سياق معين. كما يناقش الجزء الثاني الاستجواب والاختلافات المعروفة بين صيغ الاستجواب الباحثة عن تسليم المجرمين والباحثة عن الحصول على المعلومات. ويشير إلى اختلافاتها وعدم إمكانية تحويلها للنوع الآخر بسبب اختلاف الأيديولوجيات. ويتناول الجزء الثالث الرقابة المستقلة كآلية يمكن من خلالها التعامل مع مخاطر صراع التواطؤ التعددي، مع الإشارة بشكل خاص إلى وكالة خدمات الحدود الكندية. ويحلل الجزء الرابع بإيجاز بعض المشاكل التي نشأت في قضية السيدة مينغ باعتبارها من الأعراض الدالة على عدم التعامل مع مخاطر صراع التواطؤ، ما يؤدي إلى زيادة احتمالية إساءة تنفيذ الإجراءات والتحايل على الحقوق الدستورية. وتسبب ذلك في ظهور مخاوف كبيرة في قضية السيدة مينغ من أن شرطة الخيالة الملكية الكندية قد استخدمت وكالة خدمات الحدود الكندية بشكل فعال كقناة أو وكيل يمكن من خلاله إجراء الاستجواب وجمع الأدلة التي لا يمكن أن تجمعها شرطة الخيالة الملكية الكندية بنفسها.

 


 

1. التعددية القانونية

 

تقر التعددية القانونية بأننا نخضع في أي وقت للعديد من الأنظمة والقواعد والالتزامات القانونية، والتي تحكم سلوكنا وحياتنا اليومية[1]. وتتضمن هذه القوانين القواعد الدينية والعادات الاجتماعية، وحتى قواعد الجامعة أو النادي الاجتماعي أو صالة الألعاب الرياضية. كما تمتد لتشمل اتفاقيات الترخيص المبرمة مع مزودي البرامج، واتفاقيات الضمان للسلع المشتراة والقواعد المتعلقة بالمباني التي نعيش ونعمل فيها.

 

يمكن أن تتداخل هذه القوانين وتعمل في نفس الوقت ضمن نفس مجموعة الظروف. فقد ينشأ شرط الدفع مقابل الوجبة التي تتناولها في المطعم على سبيل المثال من قانون الولاية، فيما يفرض عليك الدين ما تأكله، وتفرض عليك العادات الاجتماعية طريقة أكله، وتفرض عليك قواعد الملبس في المطعم الملابس التي يمكنك ارتداؤها. وعلى المستوى الدولي الأكبر، هناك تداخل بين القانون الأوروبي وقوانين الدول الأعضاء، وبين دور المحكمة الجنائية الدولية والتشريعات الجنائية الوطنية. وغالباً ما يتم التفاعل بين القوانين بشكل متوازٍ، ولكن ليس دائماً.

 

من الممكن أيضاً أن يؤثر أكثر من نظام واحد من قوانين الولاية، مثل القانون الفيدرالي والقانون المحلي على مستوى الولاية، والقانون الجنائي والمدني، والقانون الخاص والعام، والقانون والحقوق في أنظمة القانون العام. وعندما يحدث تعارض فيما يتعلق بالولاية القضائية، أو ادعاء نظامين لحقهما في اتخاذ القرار (نزاع إيجابي)، أو إنكار كلاً منهما حق الآخر وأنه هو مَن يجب أن يفعل ذلك (نزاع سلبي)، فليس من الغريب إنشاء هيئة منفصلة لتحديد الاختصاص الصحيح لكل نظام.[2]

 

ولذلك يجب معالجة التداخل في الولاية القضائية أو التفاعل بين النظم القانونية، إما بتحديد مجموعة القواعد السائدة أو بالحفاظ على التعددية. وفي حال غياب المحكمة المتخصصة، يتحقق ذلك عادة من خلال الآليات والمؤسسات والممارسات الإجرائية، والتي وفقاً لبيرمان، لا يمكنها أبداً حل أي مشكلة بشكل نهائي أو مرضٍ، لأنه "لا توجد طريقة جذرية "لحل" مشاكل التعددية".[3] تتمثل المسألة إذن في التحكم في والسيطرة على الآثار المتعارضة للأنظمة المختلفة. ويحدد بيرمان ثماني آليات لهذا الوضع ويوضح أمثلة لها، ولكن في نفس الوقت يمكن اعتبار قبولها تقديماً لتنازلات غير مرضية. ومع ذلك، ومثلما يؤكد بيرمان على نحو صحيح، فإن مجرد الاعتراف بأهمية وجود آليات للتعامل مع النزاعات الناشئة عن التعددية يمثل خطوة أولى مهمة للغاية.[4]

 

أرى أنه ربما تشهد المساحة التي تتداخل فيها الأنظمة القانونية المختلفة أيضاً شكلاً مختلفاً من الصراع، ليس في صورة تعارض ولكن تمكيناً للتواطؤ، حيث يتم اختيار عناصر من الأنظمة المختلفة لتحقيق نتائج قد تمثل انتهاكاً للحماية القانونية للفرد إذا حدثت بطريقة أخرى. ويؤدي هذا الصراع الذي يمكّن التواطؤ، والذي سأطلق عليه "صراع التواطؤ"، إلى نتيجة غير مرغوب فيها تتناقض مع السلطة المعيارية لأي من النظامين، وأعتقد أنه لم تتناولها آليات بيرمان للتعامل مع صراع التعارض التقليدي. ومع ذلك، فإن وجهة نظره التي مفادها أن تحديد آليات التعامل يمثل خطوة أولى مهمة تظل ذات أهمية هنا. وأشير في هذا السياق إلى أهمية الرقابة المستقلة كآلية إضافية يمكن من خلالها التخفيف من المخاطر المرتبطة بصراع التواطؤ.

 

التعددية الشُرطيّة

 

تشمل التعددية الشُرطية كيانات أخرى غير شرطة الولاية التي تحمل مسؤولية السلامة إلى جانب مسؤوليات الشرطة الأخرى.[5] ومع ذلك، يجب أن يحافظ التنوع في تكوين الشرطة على "الشرعية المستدامة والبراعة المهنية وتحمل المسؤولية بفاعلية" للاحتفاظ بطابعها الديمقراطي.[6] وسيؤدي الفشل في إنفاذ القانون بشكل محايد ودون تمييز أو تحيز إلى تقويض الشرعية.[7] وعادة ما توضع لوائح لتنظيم الحوكمة والمسؤولية في شرطة الولاية، وتهدف إلى ضمان وجود معايير التوظيف والتدريب المناسبة وإجراءات تقديم الشكاوى. وأشار وولش وكونواي إلى أن طرق التنظيم الفعالة لها أهدافها الخاصة، والتي قد تشمل:

 

الشرعية والحفاظ على القيم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والشفافية وتعزيز كفاءة قوة الشرطة وانضباطها وتعزيز العلاقات المجتمعية الشرطية، والتي بدورها يمكن أن تعزز قدرة هيئات الشرطة على أداء وظائفها.[8]

 

يمكن أن تظهر أنظمة متوازية عند تطبيق معايير مختلفة بين الهيئات الشرطية، وربما تظهر بسبب ذلك نتائج غير متسقة. وربما تنطبق معايير مختلفة على أذرع الدولة المنفصلة التي تؤدي بشكل أساسي نفس المهام أو مهام مماثلة، على سبيل المثال، رجل المرور أو ضابط الشرطة الذي يتعامل مع مخالفات صف السيارات. يهدد صراع التواطؤ في سياق العمل الشرطي التعددي شرعية كلا النظامين، وهو ما يفسر تعريف وولش وكونواي للشرطة على أنها نطاق شديد التنظيم. إلى جانب ذلك، يجب على اللوائح أن تتجنب الانعزالية، لأنه في حال وجود الحوكمة الذاتية يزداد احتمال الفشل في إدراك إمكانية وقوع صراع التواطؤ. ومن المرجح تعزيز فعالية التعامل مع صراع التواطؤ من خلال التدريب الذي يتضمن دروساً مستمدة من حوادث صراع التواطؤ الموثقة، حيث يتم قياسه عن طريق التقارير المناسبة من جهات الرقابة المستقلة.

 

 

2. الاستجواب

 

تختلف سلطة الاستجواب الممنوحة لوكالة خدمات الحدود الكندية وعن تلك الممنوحة لشرطة الخيالة الملكية الكندية. يمنح قانون الجمارك ضباط وكالة خدمات الحدود الكندية سلطات لمصادرة البضائع واحتجاز واستجواب وتفتيش وفحص الأفراد، وهي الإجراءات التي ربما تكون غير دستورية إذا تم تنفيذها ضد أشخاص موجودين بالفعل على الأراضي الكندية.[9] ويعتبر عدم الإجابة بصدق على الأسئلة التي يطرحها ضابط وكالة خدمات الحدود الكندية جريمة بالنسبة للأشخاص الذين يريدون دخول كندا. ولذلك هناك إكراه لتقديم دليل قد يتسبب في تجريم النفس.[10] ويضمن الدستور الكندي أن هذا المعيار ليس هو المعيار المطبق على الأشخاص الذين تستجوبهم شرطة الخيالة الكندية الملكية داخل كندا.

 

الأهم من ذلك أن أهداف عمليات استجواب وكالة خدمات الحدود الكندية وعمليات استجواب شرطة الخيالة الملكية الكندية مختلفة أيضاً. يجب أن نفرق بين الاستجواب القسري الذي يسعى لتأكيد الحقائق المشتبه في صحتها والتي تم التأكد منها بالفعل، والاستجواب الاستقصائي الذي يهدف لتقصي الحقائق. ويعتبر دور وكالة خدمات الحدود الكندية مرتبطاً أكثر بتقصي الحقائق، نظراً إلى أنه في بداية الاستجواب، لا يعرف الضباط في كثير من الأحيان ما الذي يبحثون عنه ويعتمدون بشكل أكبر على المعلومات الحالية التي يتلقونها من الشخص المحتجز في صياغة الأسئلة التي يطرحونها لاحقاً. وربما ينشأ التزام الذين تستجوبهم وكالة خدمات الحدود الكندية بالإجابة والإجابة بصدق من هذا العامل، ما يعكس أنه عندما يكون الاستجواب لتقصي الحقائق في المقام الأول، فإن المعلومات التي يتم الحصول عليها لا يمكن تأكيدها على الفور. ولكن على النقيض من ذلك، في الاستجواب القسري، يكون المحقق عادة على دراية بالظروف المحيطة بالجريمة المزعومة، وبالتالي يمكنه بسهولة التعامل مع الإجابات الكاذبة أو المراوغة من المشتبه به.

 

إذن تختلف استجوابات شرطة الخيالة الملكية الكندية واستجوابات وكالة خدمات الحدود الكندية نوعياً، ولا تختلف فقط فيما يخص الولاية القضائية وتطبيق الحقوق الدستورية، فالاستجواب الاستقصائي لوكالة خدمات الحدود الكندية يفسح المجال للبحث عن أدلة على جرائم محتملة غير محددة. ولكن على النقيض من ذلك، تمنع الحقوق الدستورية الخاصة بتجريم النفس استخدام الاستجواب القسري من جانب شرطة الخيالة الملكية الكندية لهذا الغرض فقط. ومن المحتمل أن يؤدي هذا الاختلاف النوعي إلى تفاقم حدوث صراع التواطؤ بين وكالة خدمات الحدود الكندية وشرطة الخيالة الملكية الكندية، لا سيما عندما تكون هناك مزاعم، كما في قضية السيدة مينغ، بأن استجواب وكالة خدمات الحدود الكندية تم استخدامه عمداً للبحث عن معلومات تتعلق بجرائم غير معروفة.[11]

 

تتبع الولايات القضائية المختلفة مناهج مختلفة للسيطرة على ممارسات الاستجواب. ففي إنجلترا وأستراليا، يتم تنظيم تحقيقات الشرطة بموجب التشريعات، بينما في الولايات المتحدة، تأتي الرقابة من القرارات القضائية بعد الاستجواب. كما يتحكم القضاة في قبول ورفض الأدلة، إلى جانب الاعترافات. ويشير ديكسون إلى ما يلي:

 

تؤدي الممارسات الأمريكية المعتادة، مثل الكذب على المشتبه فيه بشأن العثور على أدلة مادية تجرمه، إلى استبعاد القضاة الإنجليز والأستراليين للاعتراف الناتج عن ذلك.[12]

 

ويشير ديكسون أيضاً إلى أهمية التمييز بين الاستجواب الذي يهدف إلى الحصول على الاعترافات المقبولة في نموذج العدالة الجنائية، صلاحيات شرطة الخيالة الملكية الكندية، والاعترافات التي تم الحصول عليها لأغراض استخبارية، والتي يتم إجراؤها غالباً من قبل ممثلي استخبارات الدولة وليس شرطة الولاية. وفي قضية السيدة مينغ، لم يكن استجواب وكالة خدمات الحدود الكندية يهدف إلى الحصول على سبب للاعتقال - فقد كان الاعتقال سيحدث بالفعل - ولكن كان سببه بالأحرى هو جمع المعلومات الاستخبارية.

 

تعتبر عمليتا الاستجواب أو نموذجا الاستجواب متناقضين. فعلى سبيل المثال:

 

إذا لم يتوقع المحقق متطلبات العرض الناجح والفحص والقبول لأدلة الاستجواب في المحكمة، فإن المشاكل تنشأ عند محاولة تجاوز نموذج التحقيق.[13]

 

كما يمكن أن يسبب ذلك مشاكل للسلطات التي تسعى إلى استخدام أي مواد تم جمعها لأغراض الاستخبارات من أجل إثبات التهمة. على سبيل المثال، ربما يقوض الاحتجاز المطول السابق للمحاكمة مبدأ الطوعية اللازم لقبول المعلومات كأدلة.[14] ولذلك من المهم التعرف على نماذج الاستجواب المختلفة والحفاظ على تنفيذها بشكل منفصل.

 

وكما تم التوضيح في المقدمة، فإن أحد المشاكل الكبرى في قضية السيدة مينغ هو أن شرطة الخيالة الملكية الكندية قد استخدمت وكالة خدمات الحدود الكندية بشكل فعال كقناة أو وكيل لإجراء الاستجواب وجمع الأدلة التي لا يمكن أن تجمعها شرطة الخيالة الملكية الكندية بنفسها. يرجع السبب في ذلك إلى القواعد المختلفة التي تنطبق على وكالة خدمات الحدود الكندية، وكذلك أيضاً بسبب النماذج المختلفة التي تتبعها كل جهة.

 

3. وكالة خدمات الحدود الكندية والرقابة المستقلة

 

لا تزال وكالة خدمات الحدود الكندية دائرة الشرطة الوحيدة داخل كندا التي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة المستقلة.[15] ورغم الضغط الذي مارسته مجموعات المصالح طيلة عقود لإخضاع الوكالة للرقابة، تواصل وكالة خدمات الحدود الكندية التعامل مع الشكاوى العامة داخلياً.[16] بل وفوق ذاك، لا يتم الإعلان عن النتائج عند البت في المشكلات واتخاذ التدابير التصحيحية.

 

في يناير 2020، اكتشف مفوض الخصوصية انتهاك العديد من ضباط وكالة خدمات الحدود الكندية القانون الفيدرالي من خلال التفتيش غير المشروع في الأجهزة الإلكترونية الشخصية للأشخاص الذين يعبرون الحدود والذين قدموا شكاوى ضد ممارسات الوكالة.[17] وينظر البرلمان الكندي حالياً في مشروع قانون لإخضاع وكالة خدمات الحدود الكندية لنفس مستوى الرقابة التي تخضع لها شرطة الخيالة الكندية الملكية لدى لجنة المراجعة والشكاوى العامة.[18]

 

كما سبق وأن تعرضت وكالة خدمات الحدود الكندية للنقد القضائي، إذ تقيد المادة 163-5 (4) من قانون الجمارك صراحةً سلطات الوكالة في جمع الأدلة في سبيل إثبات مخالفات قانون الجمارك:

 

لا يجوز للضابط المعين استخدام أي سلطة ممنوحة لضابط إنفاذ القانون حصراً في سبيل البحث عن دليل على جريمة جنائية بموجب أي قانون برلماني آخر.

 

وقد أكد ذلك عدالة القاضي استبيان في قضية آر ضد برود[19]:

 

"هناك قيود على هذه الصلاحيات: لا يجوز للضابط المعين استخدام أي سلطة ممنوحة لضابط إنفاذ القانون حصراً في سبيل البحث عن دليل على جريمة جنائية بموجب أي قانون برلماني آخر".[20]

 

في قضية آر ضد سينغ، انتهى عدالة القاضي إي. ديلوزيو إلى أن ضباط وكالة خدمات الحدود الكندية قد تصرفوا بشكل منهجي كوكلاء للشرطة،

 

إجراء عمليات تفتيش للهواتف المحمولة والأجهزة الأخرى لغرض وحيد ألا وهو جمع الأدلة لدعم توجيه الاتهامات بموجب القانون الجنائي والملاحقات القضائية بموجب القانون الجنائي.[21]

 

استبعد القاضي في النهاية الأدلة التي حصلت عليها وكالة خدمات الحدود الكندية، وقضى بالآتي:

 

بعد ترجيح جميع العوامل والاعتبارات التي استقر عليها القضاء في دعوى جرانت، ولا سيما سلوك الدولة النظامي الذي يشمل ضباط الحدود، بالاعتماد بشكل روتيني على صلاحيات البحث الممنوحة لهم بموجب قانون الجمارك وقانون الهجرة وحماية اللاجئين لغرض وحيد هو تحقيقات القانون الجنائي ... فإنني أرى بأن قبول الأدلة ... من شأنه أن يسيء إلى نظام إقامة العدل.[22]

 

بمعزل عن ذلك، فإن التصحيح القضائي للانتهاكات الناشئة عن سياقات صراع التواطؤ، من خلال رفض الإقرارات أو استبعاد الأدلة، لا يعد حلاً سحرياً، لسببين على الأقل: أولهما احتمالية إعمال ذلك فقط في الدعاوي الكبيرة دون معالجة الانتهاكات غير المبلغ عنها أو التي لم يفصل فيها القضاء لأسباب أخرى غير الموضوع. وثانيهما، إنّ قصر الإجراءات التصحيحية على الأمور التي تصل إلى القضاء لن يجعلها تشمل الانتهاكات الصغيرة في سياق صراع التواطؤ، ما يساهم في انتشار تلك الممارسات وترسيخها كمسلمات. فضلاً عن ذلك، تمثل الرقابة القضائية بشأن حجية الاعترافات والإقرارات في الإثبات ممارسة قضائية لتنظيم إجراءات التقاضي ولا تؤثر إلا بشكل غير مباشر على سلوك الشرطة.[23] بدلاً من ذلك، يجب أن تستهدف الرقابة والتنظيم الفعال المصدر.

 

قد يمثل وجود هيئة رقابة مستقلة شبيهة بتلك التي تخضع لها شرطة الخيالة الملكية الكندية حلاً أكثر فعالية لتحديد مدى انتشار ودرجة خطورة المخالفات المرتبطة بصراع التواطؤ، فضلاً عن قدرة تلك الهيئة على تحديد ما إذا كانت الانتهاكات فردية أو تقع في وحدات معينة أو منهجية. من حيث البيانات، سوف تفوق الشكاوى المقدمة إلى الهيئة الرقابية عدد الحوادث التي قد يترتب عليها دعاوى قضائية وقد تدعم بشكل أفضل مقترحات الإصلاح وبرامج إعادة التثقيف المستهدفة.

 

قد تساهم الرقابة أيضاً في تحقيق أفضل استفادة من الشكاوى التي تعتبر غير جوهرية من حيث الموضوع بترجمتها إلى تحسينات أكثر دقة في مجالات مثل السلوك والأيديولوجية وقياس مستوى خدمة العملاء. بموجب مشروع القانون، سوف تشترك وكالة خدمات الحدود الكندية ولجنة المراجعة والشكاوى العامة في وضع معايير الخدمة، ما من شأنه إضفاء الشرعية على مقاييس تقييم الأداء وتعزيز موثوقية وكالة خدمات الحدود الكندية. كما يفوض مشروع القانون لجنة المراجعة والشكاوى العامة للتعريف والتوعية بدورها بين المراجعين والمتعاملين مع وكالة خدمات الحدود الكندية، بمن فيهم المحتجزين[24]، وهو توجيه مهم يعزز من فعالية الرقابة. إنّ مشروع القانون يحسّن بصورة كبيرة النظام الرقابي الذاتي المنطبق حالياً لدى وكالة خدمات الحدود الكندية وفقاً لمعايير موضوعة ذاتياً.

 

4. قضية السيدة مينغ

 

يتركز الدفاع القانوني في قضية السيدة مينغ على سوء تنفيذ الإجراءات التي انطوت عليها وقائع القضية بدايةً من لحظة وصولها إلى مطار فانكوفر الدولي، وما تلاه من احتجازها واستجوابها بمعرفة ضباط وكالة خدمات الحدود الكندية حتى اعتقالها بواسطة ضباط شرطة الخيالة الكندية الملكية بعد حوالي ثلاث ساعات. من منظور مخاطر صراع التواطؤ، تشير العديد من الإجراءات المتخذة في حق السيدة مينغ، والتي تشكل إلى حد كبير أساس شكواها، إلى وجود خلط بين اختصاصات الوكالتين، ودمج اختصاصاتهما الفردية لتحقيق قدر من السلطة يتجاوز صلاحياتهما الفردية، ويشمل ذلك الآتي:

 

1.     حصلت شرطة الخيالة الكندية الملكية على أمر اعتقال يقضي باعتقال السيدة مينغ "على الفور". عند تنفيذ الأمر، كان يجب إخبار السيدة مينغ بسبب اعتقالها وحقها في التمثيل القانوني. تم تغيير الخطة الأولية لاعتقالها على متن الطائرة. وبدلاً من اعتقالها على الفور، تم احتجازها واستجوابها بمعرفة ضباط وكالة خدمات الحدود الكندية لمدة ثلاث ساعات، ظاهرياً لإجراء تفتيش روتيني بموجب سلطات وكالة خدمات الحدود الكندية التي لم تتطلب إخطارها بأسباب احتجازها أو منحها الحق في التمثيل القانوني.[25]

 

2.     اضطرت السيدة مينغ إلى تسليم الأجهزة الرقمية التي بحوزتها بالإضافة إلى كلمات المرور الخاصة بها. بينما يجوز لوكالة خدمات الحدود الكندية أن تطلب كلاهما، لم يكن بوسع شرطة الخيالة الكندية الملكية أن تحصل عليهما دون أمر قضائي ومسوغ آخر. قامت وكالة خدمات الحدود الكندية بتسليم الأجهزة وكلمات المرور الخاصة بها إلى شرطة الخيالة الكندية الملكية عندما اعتقلت شرطة الخيالة الكندية الملكية السيدة مينغ، وهو الأمر الذي كان لا ينبغي فعله وتقر وكالة خدمات الحدود الكندية بارتكاب هذا الخطأ.

 

3.     أثناء الاستجواب، سأل ضباط وكالة خدمات الحدود الكندية السيدة مينغ عن أمور تتعلق بالتهم الموجهة إليها في الولايات المتحدة والواردة في مذكرة التوقيف، موضوع طلب التسليم. على وجه التحديد، سُئلت عن تعاملات هواوي التجارية في إيران. لم يمكن بمقدور شرطة الخيالة الكندية الملكية أن تطرح مثل هذه الأسئلة دون أن تكون قد ألقت القبض على السيدة مينغ أولاً، وإبلاغها بأسباب اعتقالها وحقها في التمثيل القانوني.[26]

 

طُرحت دفوع قانونية إضافية بشأن أدلة وكالة خدمات الحدود الكندية وشرطة الخيالة الكندية الملكية، ولكن لا يمكن تحديدها مباشرة على أنها تندرج تحت صراع التواطؤ. يتمثل وجه الإخلال والمخالفة المشتبه به ضمن أنماط الوقائع المبينة أعلاه في تواطؤ شرطة الخيالة الكندية الملكية ووكالة خدمات الحدود الكندية للتحايل على الحقوق الدستورية، من أجل تسهيل الاستجواب والتفتيش دون مشورة قانونية، في سبيل السعي للحصول على أدلة واقعية ومادية كان من غير الممكن الحصول عليها بحكم القانون لو أن شرطة الخيالة الكندية الملكية قد قامت باعتقال السيدة مينغ على الفور. وأرى أنه من العوامل التي تثبت ذلك نوع الاستجواب المختلف الذي نفذته وكالة خدمات الحدود الكندية واستخدامه للسؤال عن أنشطة هواوي في إيران، موضوع أمر الاعتقال الأجنبي، وهو ما لا يشكل جزءاً من التفتيش والفحص الطبيعي للمسافرين الذي تنفذه وكالة خدمات الحدود الكندية.

 

وختاماً في هذه النقطة، نعلم من الملاحظات المعاصرة في قضية السيدة مينغ أن النية كانت معقودة على مشاركة المعلومات التي حصلت عليها وكالة خدمات الحدود الكندية مع شرطة الخيالة الكندية الملكية، حيث تنص مذكرة ملاحظات ضابط شرطة الخيالة الكندية التي دونها من اجتماع عقد قبيل وصول السيدة مينغ بساعات، عندما تقرر عدم اعتقالها على الفور، والسماح بدلاً من ذلك لضباط وكالة خدمات الحدود الكندية بإجراء استجواب معها أولاً، على ما يلي:

 

- تم التعريف بإجراءات وكالة خدمات الحدود الكندية في التعامل مع الرعايا الأجانب، هنالك تفتيش مطلوب من وكالة خدمات الحدود الكندية. تم الحصول على المعلومات لاحقاً بموجب طلب المادة 107.[27]

 

تجيز المادة 107 من قانون الجمارك المشار إليها أعلاه تبادل المعلومات التي يتم انتزاعها من المسافرين مع هيئات إنفاذ القانون الأخرى. يجب بالتأكيد أن يكون الحصول على المعلومات محل المشاركة قد تم بشكل مستقل بمعرفة الجهة المقدمة للمعلومات أثناء مباشرة مهامها مع التأكيد على أن الآلية المنصوص عليها في المادة 107 لا تضفي الشرعية على المعلومات المنقولة بين هيئات منفصلة والتي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني.

 

ستقرر المحكمة فيما إذا كان من الممكن تفسير تصرفات السلطات بأي طريقة أخرى، لكن من غير المرجح أن يردع قرارها في هذا الشأن أو يحد من مشكلة منهجية. في قضية السيدة مينغ، سوف يؤدي وقف القضية في حالة ثبوت سوء تنفيذ الإجراءات إلى إثبات صحة الشكوى المقدمة ضد معاملتها، ولكن مع التأكيد على أن الوقائع وحدها تشير مجدداً إلى ضرورة توفير المزيد من الرقابة والمساءلة في مجال إنفاذ القانون حيث من المتوقع استمرار المخالفات المرتبطة بصراع التواطؤ.

 

5. الرأي والنتيجة

 

تهدف هذه الدراسة إلى إثبات أن تحليل التعددية القانونية للأنظمة القانونية المتزامنة يحدد تطبيقها المتداخل واحتمالية حدوث نتائج غير متسقة. يمكن التعامل مع حالات تضارب الاختصاصات بل ويتم التعامل معها بشكل شائع. ويقل استكشاف احتمالية حدوث حالات صراع التواطؤ، عندما يختار نظام معين تنفيذ سلطات خاصة بنظام آخر. يثير العمل الشرطي التعددي قضايا معينة تتعلق بالشرعية والمساءلة، لا سيما عندما تتداخل النماذج المختلفة للاستجواب والتحقيق بين العمليات.

 

وبالمثل، يجب التعامل مع مخاطر صراع التواطؤ، وهناك آلية واحدة هي الرقابة المستقلة. لا تخضع وكالة خدمات الحدود الكندية حالياً لرقابة مستقلة ويتعين إخضاعها لنفس نظام شرطة الخيالة الكندية الملكية أو نظام مشابه له، بحيث تخضع كلتا الهيئتين لرقابة مستقلة للتعامل مع مخاطر صراع التواطؤ وتقليل احتمالية حدوث المخالفات.

 

يسهم التعامل الفعال مع مخاطر صراع التواطؤ في تفادي اضطرار المحاكم إلى الفصل في مثل المسائل والأمور التي نشأت في قضية السيدة مينغ بشأن ما يمكن وصفه في أفضل الأحوال على أنه أخطاء وفي أسوأ الأحوال، أمثلة عن السلوك المتعمد والتواطؤ والتحايل على الاختصاصات والذي يرقى إلى سوء تنفيذ الإجراءات وانتهاك حقوق السيدة مينغ.

 

والمؤسف للغاية هو احتمالية أن تدفع السيدة مينغ ثمن تأخر الرقابة المستقلة على وكالة خدمات الحدود الكندية التي من شأنها تفادي هذه النزاعات ونتائجها غير المرغوبة.