تعد شبكات الاتصالات عماد البنية التحتية الرقمية التي ترتكز عليها اقتصادات العالم بشكل كبير اليوم. وتشكل هذه الشبكات القوة الدافعة للتحول الرقمي عبر جميع القطاعات نظراً لدورها المحوري في ربط الشركات والأشخاص والتعامل مع البيانات على نحو غير مسبوق. وعلى ضوء الانتشار السريع للأجهزة المتصلة والاعتماد المتزايد على الخدمات الرقمية، باتت الحاجة ملحةً إلى اتخاذ تدابير شاملة للأمن السيبراني واعتماد معايير واسعة النطاق للحد من المخاطر وحماية خصوصية بيانات المستخدمين والتعامل مع مختلف التحديات المستقبلية. وتُعدّ أطر الأمن السيبراني المبنية على معايير معترف بها عالمياً أمراً بالغ الأهمية لحماية أسس اقتصادنا الرقمي وتوفير بيئةٍ آمنة وموثوقة تضمن ازدهار المجتمعات، سيما في العديد من دول المنطقة الماضية قدماً في تحقيق خطط ورؤى مستقبلية طموحة جداً وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد الاتصالات وتقنية المعلومات كمحور رئيس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

 

يتطلب نشر الشبكات المتطورة مثل الجيل الخامس والبنية التحتية لشبكات الألياف الضوئية  استثمارات كبيرة وتنسيق جهود الجهات الحكومية والهيئات التنظيمية مع شركات الاتصالات ومختلف المعنيين بقطاع الاتصالات من موردي المنتجات والخدمات وحتى الأوساط الأكاديمية المناط بها العناية بتأهيل جيل جديد بخبرات تقنية عالية تتماشى مع متطلبات العصر الرقمي. وتلعب سياسات تخصيص الطيف الترددي دوراً محورياً في نشر الأجيال الجديدة من الشبكات بشكل فعال، مما يضمن وصول المشغلين إلى الموارد اللازمة لتقديم خدمات عالية الجودة للمستهلكين والشركات على حدٍ سواء. وتندرج مهمة تحقيق التوازن بين حفز المنافسة وتشجيع الاستثمار وحماية المصلحة العامة عند صياغة سياسات الطيف الترددي تحت مسؤولية الحكومات.

 

ضمن هذا الإطار، اجتمع مؤخراً قياديو قطاع الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى خلال "منتدى سياسات وحوكمة تقنية المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط" الذي أدارته الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA) خلال المؤتمر العالمي للجوال شنغهاي 2024، الحدث الرائد عالمياً لقطاع الاتصالات. وضم المنتدى مجموعة واسعة من ممثلي الجهات التنظيمية وشركات الاتصالات من دول المنطقة، بالإضافة للأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وشركة هواوي، وذلك بهدف مناقشة مستقبل سياسات قطاع الاتصالات وتبني تطبيق أفضل معاييره وممارساته في دول المنطقة.

 

ناقش المنتدى، الذي انعقد تحت عنوان "تحفيز التعاون في مجال السياسات والمعايير ودعم الابتكارات لمستقبلنا الرقمي"، أهمية التخطيط لسياسات الطيف الترددي وأمن البيانات. واستكشف أيضاً سبل قيام شركات الاتصالات والمؤسسات والهيئات الرقابية والتنظيمية بتعزيز قدرات أمن شبكات الاتصالات المحمولة وتوجيه لاستراتيجيات إدارة المخاطر. وأكد  جيف وانغ، رئيس قسم العلاقات العامة والاتصالات في هواوي عالمياً في كلمته على ثلاثة محاور باعتبارها الأهم بالنسبة لجني ثمار الرقمنة وهي تعزيز قدرات الاتصال، والتركيز على احتضان التطبيقات الرقمية، والتعاون في مجال تمكين المواهب الرقمية. كما تضمّن المنتدى على حلقتي نقاش ركزتا على تبني تطبيق أفضل السياسات والمعايير والممارسات الناجحة في مجال الأمن السيبراني، حيث استكشفت جلسة "تطبيق سياسات تقنية المعلومات والاتصالات" تخطيط الطيف الترددي لشبكات الجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم، وصناديق الخدمة الشاملة، وسياسات تحسين الاتصالات المحمولة في المناطق الريفية، وزيادة تنظيم شبكات الهواتف المحمولة والثابتة لتحسين أسس الاقتصاد الرقمي. وقدمت الحلقة توصيات لدول عدة - بما في ذلك الإمارات، والسعودية، وباكستان، والعراق - وفقاً لاحتياجاتها الخاصة وإنجازاتها المحققة في هذه المجالات.

 

تستثمر حالياً  أكثر من 50 دولة حول العالم في شبكات الألياف الضوئية فائقة السرعة والنطاق الترددي العريض (الجيجابت) لمواكبة متطلبات تشغيل التقنيات المستقبلية مثل الواقع المعزز والافتراضي والبث عالي الوضوح. ويعتبر هذا الارتقاء الرقمي ضرورياً لحفز تطوير قطاع تقنية المعلومات والاتصالات على الصعيد الإقليمي وضمان توفير تجربة مستخدم سلسة ومريحة. ويحتاج المشغلون في دول المنطقة لتطوير شبكات الألياف الضوئية الخاصة بهم لضمان تمتع المنازل والمكاتب بالسرعة والاستقرار اللازمين لمواكبة تطورات الحياة الرقمية المتسارعة. ويمكن أن تساعد هذه الاستثمارات في إزالة العقبات التي تحول دون بلوغنا العالم الذكي المتصل بالكامل وأبرزها سد الفجوة الرقمية بضمان وصول الجميع إلى خدمات الاتصال. ومع تزايد أهمية الخدمات الرقمية للتعليم والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية، ينبغي على صنّاع السياسات إعطاء الأولوية لمبادرات توسيع نطاق تغطية الشبكات لتشمل المناطق المحرومة وتوفير خدمات اتصال ميسورة التكلفة. ويشمل ذلك إنشاء صناديق للخدمة الشاملة، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتقديم حوافز مالية لتشجيع المشغلين على الاستثمار في المناطق الريفية والنائية.

 

يتطلب تقارب قطاع الاتصالات مع القطاعات الأخرى، مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل وغيرها، اتباع نهج شامل لتطوير مثل هذه السياسة. ما يجعل مسؤولية الهيئات التنظيمية في مجال تعزيز التعاون بين القطاعات وخلق بيئة مواتية لتطوير حلول رقمية مبتكرة تعالج التحديات المجتمعية أكبر. ويستدعي ذلك بطبيعة الحال توافر إطار تنظيمي مرن يستشرف التوجهات المستقبلية، ويشجع على التجريب، ويعزز قابلية التشغيل البيني، ويحمي حقوق المستهلكين.

 

وقال جواد عباسي، رئيس الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي أدار نقاشات المنتدى: "نحرص في الجمعية على استكشاف جميع الاعتبارات الأمنية بما في ذلك أمان التصميم، ونماذج طرح شبكات الجيل الخامس، والأنشطة الأمنية". وأبرز ما سلطت عليه النقاشات الضوء تعزيز اعتماد نظام ضمان أمن معدات الشبكة (NESAS) وقاعدة معارف الأمن السيبراني لشبكات الهاتف المحمول (MCKB) من الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، حيث استعرض المشاركون خطط تطبيق سياسات القطاع وأفضل الممارسات، وقدموا أمثلة عن أحدث حالات الاستخدام الناجحة في الصين والأسواق العالمية المتقدمة في مجال شبكات الاتصالات.

 

وأكد الدكتور ألويسيوس تشيانغ، كبير مسؤولي الأمن لدى هواوي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أن الشركة تعتمد نهجاً استباقياً لتوحيد معايير الأمن السيبراني للاتصالات يعتمد الانفتاح والشفافية وبناء جسور التعاون والشراكة مع مختلف الأطراف. وقال: "في الوقت الذي نرسم فيه رحلتنا إلى المستقبل الرقمي، من الضروري أن يحمي الأمن السيبراني ثقة ومرونة الشبكة والفضاء السيبراني والميتافيرس باعتبار أن البيانات هي النفط الجديد الذي يعمل على تحويل أصول المؤسسات إلى رقمية أو افتراضية بشكلٍ متزايد؛ يجب تبني ثقافة الانفتاح على العمل المشترك. ومن خلال التعاون مع المنظمات الدولية الرائدة كالجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، يمكننا الاستفادة من إنجازاتها لإرساء الأسس اللازمة لضمان حماية شبكات الجيل الخامس والجيل الخامس المتقدم وما بعدهما".

 

ويعد فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT) أحد الجهات الرئيسية الفاعلة في إرساء المعايير الأمنية لشبكات الجيل الخامس. وقد أعلن فريق عمل أمن الجيل الخامس للجمعية العامة لفريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT) العام الماضي عن إطلاق نظام منسق وموحد لشهادات الأمن السيبراني بهدف توفير آلية مصادقة مشتركة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لمخرجات الأمن السيبراني التي تعتمدها تلك الدول في تنظيم شبكات وخدمات الجيل الخامس. وكانت هواوي أول مورد عالمي لتقنية المعلومات والاتصالات ينضم إلى فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في منظمة التعاون الإسلامي (OIC-CERT)، والتي تعد حالياً ثالث أكبر منظمة في العالم في مجال الاستجابة للطوارئ الحاسوبية.

 

وتعتبر الاستراتيجيات القوية لتطوير الشبكات الوطنية بما يتماشى مع الرؤى والقطاعات الرئيسية أمراً بالغ الأهمية لدول المنطقة، حيث يستدعي الطلب المتزايد على الخدمات المتقدمة تحديث الشبكات التي تعد حيوية للمشاريع الطموحة مثل مجتمع "10Gbps" في المملكة العربية السعودية. وتشجع السياسات الحكومية الداعمة شركات الاتصالات والمؤسسات على الاستثمار في تحسين البنية التحتية.